روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | رسول الله.. وحقوق العمال والخدم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > رسول الله.. وحقوق العمال والخدم


  رسول الله.. وحقوق العمال والخدم
     عدد مرات المشاهدة: 3277        عدد مرات الإرسال: 0

أعزَّ الإسلام الخدم والعمَّال ورعاهم وكرَّمهم، واعترف بحقوقهم لأوَّل مرَّة في التاريخ -بعد أن كان العمل في بعض الشرائع القديمة معناه الرقُّ والتبعيَّة.
وفي البعض الآخر معناه المذلَّة والهوان- قاصدًا بذلك إقامة العدالة الاجتماعيَّة، وتوفير الحياة الكريمة لهم.
 
صور من حقوق العمال والخدم في الإسلام:
 
كانت سيرة رسول اللهخير شاهد على عظمة النظرة الإسلامية للخدم والعمَّال.
وكانت إقرارًا من رسول الله، فقد دعا رسول الله أصحاب الأعمال إلى معاملتهم معاملة إنسانيَّة كريمة، وإلى الشفقة عليهم، والبرِّ بهم، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، فقال رسول الله: "... إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ[1].
 
جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"[2].
 
فجاء تصريح رسول الله: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ"؛ ليرتفع بدرجة العامل الخادم إلى درجة الأخ! ولتصبح هذه الضوابطَ العامَّة التي توفِّر الحياة الكريمة لبني الإنسان عمومًا.
 
وألزم كذلك صاحب العمل أن يُوَفِّيَ للعامل والخادم أجره المكافئ لجُهده دون ظلم أو مماطلة، فقال رسول الله: "أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"[3].
 
وحذَّر رسول اللهمن ظلمهم فقال: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"[4].
 
ومن حقِّهم أيضًا أن تُحْفَظ حقوقهم الماليَّة من الغبن، والظلم، والاستغلال؛ لذلك قال رسول اللهفي الحديث القدسي عن ربِّ العزَّة I: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ"[5]. لِيَعْلَمَ كلُّ مَنْ ظلم عاملًا أو خادمًا، أن الله رقيب عليه وخصم له يوم القيامة.
 
كما يجب على صاحب العمل عدم إرهاق العامل إرهاقًا يضرُّ بصحَّته ويجعله عاجزًا عن العمل، ولقد قال رسول اللهفي ذلك: "مَا خَفَّفْتَ عَنْ خَادِمِكَ مِنْ عَمَلِهِ، كَانَ لَكَ أَجْرًا فِي مَوَازِينِكَ"[6].
 
ومن الحقوق التي تُعتبر علامة مضيئة في الشريعة الإسلاميَّة حقُّ الخادم في التواضع معه، وفي ذلك يُرَغِّب الرسولأُمَّته قائلًا: "مَا اسْتَكْبَرَ مَنْ أَكَلَ مَعَهُ خَادِمُهُ، وَرَكِبَ الْحِمَارَ بِالأَسْوَاقِ، وَاعْتَقَلَ الشَّاةَ فَحَلَبَهَا"[7].
 
ولأن حياة رسول اللهكانت تطبيقًا لكل أقواله، فإن السيدة عائشة -رضي الله عنها- تروي فتقول: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا..."[8].
 
وهذا أنس بن مالك t خادم رسول اللهيشهد شهادة حقٍّ وصدق فيقول: كان رسول اللهمن أحسن النَّاس خُلقًا، فأرسلني يومًا لحاجةٍ، فقلت: والله لا أذهب -وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيُّ الله- قال: فخرجت حتى أَمُرَّ على صبيانٍ وهم يلعبون في السُّوق، فإذا رسول اللهقابضٌ بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال:
"يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ". قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله. قال أنس: وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُ: هَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا[9].
 
وكان رسول اللهيهتمُّ برعاية خَدَمِه إلى الدرجة التي يحرص فيها على زواجهم؛ فعن ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنتُ أخدم النبيفقال لي النبي: "يَا رَبِيعَةُ، أَلاَ تَتَزَوَّجُ؟" قال: فقلتُ: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوَّج؛ ما عندي ما يُقيم المرأة، وما أحبُّ أن يشغلني عنك شيء.
قال: فأعرض عنِّي، ثم قال لي بعد ذلك: "يَا رَبِيعَةُ، أَلاَ تَتَزَوَّجُ؟" قال: فقلتُ: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوَّج، وما عندي ما يُقيم المرأة، وما أحبُّ أن يشغلني عنك شيء.
فأعرض عنِّي. وقال: ثم راجعتُ نفسي، فقلتُ: والله يا رسول الله أنت أعلم بما يُصلحني في الدنيا والآخرة. قال: وأنا أقول في نفسي: لئن قال لي الثالثة لأقولن: نعم. قال: فقال لي الثالثة: "يَا رَبِيعَةُ، أَلاَ تَتَزَوَّجُ؟" قال: فقلتُ: بلى يا رسول الله، مُرْنِي بما شئتَ، أو بما أحببت. قال: "انْطَلِقْ إِلَى آلِ فُلانٍ". إِلى حيٍّ من الأنصار...[10].
 
وقد امتدَّت رحمة رسول اللهبخدمه لتشمل غير المؤمنين به أصلًا، وذلك كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادمًا، فقد مرض الغلام مرضًا شديدًا، فظلَّ النبييزوره ويتعهَّده، حتى إذا شارف على الموت عاده وجلس عند رأسه، ثم دعاه إلى الإسلام، فنظر الغلام إلى أبيه متسائلًا، فقال له أبوه: أطِعْ أبا القاسم. فأسلم، ثم فاضت رُوحه، فخرج النبيوهو يقول: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ"[11]!
 
هذه بعض حقوق الخدم والعمَّال التي أصَّلهابالقول والعمل في زمنٍ لم يكن يعرف غير الظلم والقهر والاستبداد.
 
--------------------------------------------------------------------------------
 
[1] خولكم: خدمكم. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1 115.
 
[2] البخاري عن أبي ذرٍّ: كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك (30)، ومسلم: كتاب الأيمان والنذور، باب إطعام المملوك مما يأكل (1661).
 
[3] ابن ماجه عن عبد الله بن عمر (2443)، وقال الألباني: صحيح. انظر: مشكاة المصابيح (2987).
 
[4] مسلم عن أبي أمامة: كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار (137)، والنسائي (5419)، وأحمد (22293).
 
[5] البخاري عن أبي هريرة: كتاب البيوع، باب إثم من باع حُرًّا (2114)، وابن ماجه (2442)، وأبو يعلى (6436).
 
[6] ابن حبان عن عمرو بن حريث (4314)، وأبو يعلى (1472) وقال حسين سليم أسد: رجاله ثقات.
 
[7] الأدب المفرد للبخاري 2 321، وقال الألباني: حسن. انظر: صحيح الجامع (5527).
 
[8] مسلم: كتاب الفضائل، باب مباعدتهللآثام... (2328)، وأبو داود (4786)، وابن ماجه (1984).
 
[9] مسلم: كتاب الفضائل، باب كان رسول اللهأحسن الناس خُلُقًا (2310)، وأبو داود (4773).
 
[10] أحمد (16627)، والحاكم (2718) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. والطيالسي (1173).
 
[11] البخاري عن أنس بن مالك: كتاب الجنائز، إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1290)، والترمذي (2247)، والحاكم (1342)، والنسائي في سننه الكبرى (7500).
 
الكاتب: د. راغب السرجاني
 
المصدر: موقع قصة الإسلام